قناة الأولى - بغداد
الحق في حرية التعبير هو عنصر أساسي في المجتمعات الديمقراطية، في العراق يعد الحفاظ على حرية التعبير والنهوض به أمراً محورياً لتعزيز مجتمع ديمقراطي ودعم التقدم الاجتماعي والاقتصادي. من المهم إشراك المواطنين في عملية صنع القرار وأن يكون هناك تمثيلاً مسموعاً لجميع الأصوات. ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام حرية التعبير في العراق.
يقدم ملخص السياسة هذا لمحة عامة عن اللوائح الحالية المتعلقة بحرية التعبير على الإنترنت في العراق وإقليم كردستان العراق، بالإضافة الى التحديات التي تواجه البلد في هذا الصدد. تشمل هذه التحديات القوانين المقيدة والعنف والمضايقات والرقابة التي تستهدف الصحفيين والنشطاء من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتشار السريع للمعلومات المضللة بشكل متعمد وغير متعمد والمعلومات الصحيحة الضارة يؤدي إلى تفاقم اضطراب المعلومات في العراق، وهو أمر يثير قلقاً متزايداً أيضاً.
للتغلب على هذه التحديات، يجب على العراق اتخاذ تدابير لإلغاء أو تعديل القوانين التي تعيق حرية التعبير، وحماية الصحفيين والنشطاء من الترهيب والمضايقة، وتعزيز وسائل الإعلام المستقلة، ومكافحة الرقابة والعنف من قبل الكيانات غير الحكومية وتعزيز حرية التعبير على الإنترنت.
حرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان وهي ضرورية لخلق مجتمع ديمقراطي. تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن
"لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
توضح المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي صادق عليه العراق في عام 1971، أن هذا يتضمن
"حرية البحث عن المعلومات والأفكار بجميع أنواعها وتلقيها ونقلها، بغض النظر عن الحدود، سواء شفهياً أو كتابياً أو مطبوعاً، أو في شكل فني، أو من خلال أي وسائط أخرى يختارها".
تمكن حرية التعبير الناس من التعبير عن أفكارهم وآرائهم ووجهات نظرهم دون خوف من الانتقام. إن التبادل المفتوح للأفكار والمعلومات ضروري للمجتمعات الديمقراطية لاتخاذ قرارات مستنيرة والمشاركة العامة والمساءلة. إن التنفيذ الفعال للحق في حرية التعبير يعني أنه يمكن للأفراد المشاركة في حوار عام، ومحاسبة المسؤولين المنتخبين، ويمكن لوسائل الإعلام أن تعمل كمراقب، وتقدم معلومات واقعية وغير متحيزة حول الموضوعات المهمة . حيث تلعب حرية التعبير عبر الإنترنت دوراً مهماً في هذا الأمر، إذ يستخدم الناس الإنترنت لمشاركة المعلومات والأفكار، والتنظيم من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي، والتواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم اهتماماتهم. في حين أنه من الشائع وجود لوائح تستخدمها الحكومات لمراقبة المحتوى عبر الإنترنت ومنع النشاط غير القانوني، ولكن تُستخدم أحياناً سياسات وقوانين أخرى لتقييد حرية التعبير لدرجة أنها تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان. في حين أن الدستور العراقي، الذي تم تبنيه في عام 2005، يتضمن فقرات تضمن حرية التعبير، فيما لا تزال مجموعة مختلفة من العقبات القانونية وغير القانونية تعرقل حرية التعبير في محافظات العراق وبضمنها إقليم كردستان العراق.
تشمل هذه القيود القوانين القائمة ومشاريع القوانين التي تحتوي على أحكام غامضة بشأن حرية التعبير، مما يسمح بتطبيقها وتفسيرها بشكل تعسفي. بالإضافة إلى ذلك، يستمر استخدام العنف والمضايقات والرقابة من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية التي تستهدف الصحفيين والنشطاء. نتيجة لذلك، يواجه الصحفيون والنشطاء وغيرهم ممن يعبرون عن آراء معارضة أو يكتبون عن قضايا حساسة مخاطر كبيرة، بما في ذلك الإكراه والإجراءات القانونية ضدهم.
بينما يتضمن الإطار القانوني العراقي أحكاماً تحمي الحق في حرية التعبير، في الممارسة العملية، فإن حرية التعبير مقيدة بشكل غير ملائم بطرق عديدة، من خلال القيود القانونية الغامضة وغير المتناسبة، وترهيب ومضايقة الصحفيين والنشطاء، والعنف والرقابة من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية.
يتضمن قانون العقوبات العراقي وغيره من القوانين أحكاماً لا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية التعبير. على سبيل المثال، يحتوي قانون العقوبات على مواد غامضة، مثل المواد (225-227) التي تجرم التشهير وإهانة الرموز السياسية والدينية.
قيدت هذه القوانين التعبير المحمي بطريقة أخرى، مثل انتقاد المسؤولين العموميين والزعماء الدينيين، ومن الأمثلة على ذلك اعتقال الصحفي سرمد الطائي بتهمة إهانة القضاء في العراق بعد أن أدلى بتصريح على الهواء مباشرة ينتقد فيه مجلس القضاء الأعلى في العراق ويزعم أن إيران تؤثر على رئيس القضاة.
وبالمثل، تسمح المادتان (401-404) من قانون العقوبات العراقي بالقبض على كل من ينشر محتوى يخالف "الآداب العامة". تم استخدام هذه المواد للقبض على العديد من منشئي المحتوى عبر الإنترنت، وقد حُكم على بعضهم بالسجن لمدة تصل إلى عامين.
تنطبق ذات القوانين المطبقة في العراق أيضاً على إقليم كوردستان. ومع ذلك، فقد سن إقليم كوردستان أيضا تشريعات إضافية تقيد المحتوى عبر الإنترنت على نطاق واسع. تم فرض هذه القوانين بشكل تعسفي للحد من الحق في حرية التعبير.
على سبيل المثال، يمكن أن يواجه المواطنون ما يصل إلى خمس سنوات في السجن بتهمة "سوء استخدام؛ أجهزتهم المحمولة"، وفقًا للمادتين 2 و3 من قانون إقليم كوردستان رقم 6 لعام 2008 بشأن منع إساءة استخدام معدات الاتصالات.
في الماضي، استخدمت حكومة كردستان الصياغة الغامضة لمواد هذا القانون لمنع الصحفيين والنشطاء من انتقاد الحكومة أو دعم الاحتجاجات. في عام 2022، حُكم على خمسة صحفيين وناشطين بالسجن ست سنوات بسبب تغطيتهم ودعمهم للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
بالإضافة إلى القوانين الحالية، كثيراً ما يناقش المشرعون مشاريع القوانين التي من شأنها أن تقيد حرية التعبير في العراق وإقليم كردستان العراق. فعلى سبيل المثال، ناقش المشرعون في العراق مشروع قانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية يتضمن أحكامًا تصل إلى 10 سنوات في السجن لمن ينشر محتوى ينتهك "القيم الدينية أو الاجتماعية، كما يناقش البرلمان العراقي قانونًا بشأن حرية التعبير والتجمع السلمي، بالإضافة إلى قانون بشأن الوصول إلى المعلومات.
يحتوي كِلا مشروعي القانونين على مصطلحات غامضة بشكل مثير للقلق من شأنها أن تضع قيوداً واسعة على حرية التعبير، وبالمثل، في إقليم كردستان العراق، يناقش البرلمان مشروع قانون تنظيم وسائل الإعلام الإلكترونية والذي سيسمح للحكومة بمقاضاة الأصوات المعارضة من التحدث على الإنترنت وذلك من خلال استخدام مصطلحات غامضة وفضفاضة ضدهم.
غالباً ما يتعرض الصحفيون والمدافعون وأحيانًا المواطنون الذين يناقشون مواضيع حساسة أو يشاركون آراء مثيرة للجدل للتهديد والمضايقة والاعتداء والقتل أحياناً. بعضاً من هذا العنف يأتي من الحكومة، كما هو الحال عندما استخدمت قوات الأمن القوة العشوائية وغير المتناسبة ضد المتظاهرين السلميين والصحفيين. في حالات أخرى، تستهدف الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الجماعات المسلحة والميليشيات الصحفيين والنشطاء الذين ينتقدون أفعالهم.
على سبيل المثال، استخدمت الجماعات المسلحة العنف لخنق الأصوات المعارضة من خلال استهداف وسائل الإعلام والصحفيين الذين ينتقدون أفعالهم. ففي بعض مناطق البلد، فرضت الجماعات المسلحة أنظمة الرقابة الخاصة بها، ومنعت المواطنين من الوصول إلى المعلومات والسيطرة على السرد في مناطقهم من خلال قنواتهم الإعلامية ومواردهم.
بينما في أوقات أخرى، تحرض الجماعات شبه العسكرية على الهجمات، على سبيل المثال في تموز / يوليو 2020، اغتيل الخبير الأمني هشام الهاشمي لإنتقاده الحكومة والقوى التابعة لها. رغم أن أحد قتلة الهاشمي قد حُكم عليه بالإعدام بعد ثلاث سنوات من تأجيل المحاكمات بسبب الضغط السياسي، إلا أنه لا يزال الآخرون المتورطون في الجريمة أحرارًا إلى يومنا هذا، متهربين من المساءلة القانونية.
علاوة على ذلك، ليس لدى العراق سياسة وطنية أو مبادئ توجيهية قانونية بشأن المعلومات الخاطئة أو التضليل أو المعلومات الحقيقية الضارة عبر الإنترنت. وبالتالي، لا توجد استجابة حكومية عندما تنتشر المعلومات الضارة بشكل موسع وسريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي العراق، يمكن أن يكون للتضليل عبر الإنترنت وخطاب الكراهية تأثير تخويف وإسكات الأفراد المستهدفين عبر المنشورات الضارة، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى عنف مميت.
ومن الأمثلة على ذلك حملة التضليل التي أطلقتها الميليشيات والجماعات المدعومة من إيران ضد الناشطة ريهام يعقوب والتي قُتلت على يد القوات شبه العسكرية بعد أن نشرت معلومات كاذبة عنها، تفيد بأنها تعاونت مع الحكومة الأمريكية، وخلال تلك الفترة، قام رئيس الوزراء، استجابة لضغوط الرأي العام المتصاعدة، بإقالة قائد شرطة البصرة، ومع ذلك لم يُحاسب أي شخص في نهاية المطاف على جريمة القتل المأساوية.
كثيراً ما تستخدم الحكومة العراقية الرقابة لتقييد حرية التعبير على الإنترنت حتى لا يتمكن الناس من مشاركة آرائهم حول قادة سياسيين أو اجتماعيين أو دينيين معينين. تستخدم الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان تشريعات مثل قانون العقوبات العراقي لسجن الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم أو مشاعرهم ضد هؤلاء الأفراد أو المنظمات. وقد أدى ذلك إلى خلق ثقافة الخوف حيث يمتنع العديد من المواطنين من التعبير عن أنفسهم عبر الإنترنت خوفاً من التداعيات المحتملة.
طلبت الحكومة العراقية أيضًا من Google (جوجل) وميتا وتويتر إزالة بعض المحتوى من منصاتها. ومن هنا تزايدت الرقابة، بحسب تقارير من Google وميتا وتويتر حيث ارتبطت بعض الأسباب بالتشهير أو انتقاد الحكومة.
علاوة على ذلك، خلال احتجاجات أكتوبر / تشرين الأول 2019، تم تداول أدلة فوتوغرافية غير مؤكدة ولقطات شاشة على الإنترنت تشير إلى أن سلطات الحكومة العراقية طلبت تدخل فيسبوك في إزالة بعض الحسابات التي كانت تدعو إلى الاحتجاجات.
على الرغم من وجود دستور يضمن حرية التعبير، في تقرير صدر عام 2022، أشارت منظمة فريدوم هاوس إلى أن العديد من العراقيين يمارسون الرقابة الذاتية بسبب عقوبات جنائية صارمة على المحتوى على الإنترنت والمضايقات أو التخويف من قبل المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم المسؤولون الحكوميون بشكل تعسفي بحظر أو تقييد الوصول إلى الإنترنت في مناسبات مختلفة، غالباً دون تقديم مبررات أو الالتزام بأي أطر قانونية، مثل إغلاق الإنترنت على مستوى البلد أثناء الامتحانات الدراسية لمنع تسريب الأسئلة، كما حثت الحكومة العراقية على قطع الإنترنت بالكامل لمدة خمسين يومًا خلال احتجاجات أكتوبر 2019 للحد من قدرة المتظاهرين على التنظيم ومنع انتشار المعلومات حول العنف الذي تمارسه ضدهم جهات حكومية وغير حكومية.
بالإضافة إلى ذلك، حاول المسؤولون في الماضي حظر استخدام محتوى معين على الإنترنت، مثل لعبة الفيديو PUBG، ومؤخراً اتخذت وزارة الاتصالات قراراً بحظر جميع المواقع التي تحتوي على محتوى إباحي وذلك على أنها لا تتماشى مع "الآداب العامة".
تؤثر هذه الأفعال على حرية التعبير تأثيراً عميقاً على قدرة الأفراد على المشاركة في الخطاب العام، ومحاسبة قادتهم، والمساهمة في تشكيل مجتمع ديمقراطي. يواجه الصحفيون والنشطاء والمواطنون المدافعون عن حقوق الإنسان وحرية التعبير واقعاً مروعاً. يتعرضون للتهديد والترهيب والعنف، مما أدى إلى خلق مناخ من الرقابة الذاتية يخنق المناقشات العامة. ومما يضاعف من هذه التحديات عدم وجود ضمانات قانونية قوية، وانتشار الفساد، والحاجة إلى مزيد من الشفافية. على الرغم من إحراز بعض التقدم من خلال الإصلاحات القانونية والمساعدة الدولية لتعزيز حرية التعبير، لا يزال هناك قدر كبير من العمل المطلوب لحماية وزراعة ثقافة تقدر حقاً حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الذات في العراق.
لتقييد حرية التعبير آثار بعيدة المدى يمكن أن تؤثر بشكل كبير على كيفية إدارة المجتمع الديمقراطي بشكل جيد. فيما يلي بعض الآثار المترتبة على تقييد حرية التعبير في العراق:
بشكل عام، عواقب تقييد حرية التعبير كبيرة وبعيدة المدى، ومن أجل تعزيز تنمية مجتمع ديمقراطي ودعم التقدم الاجتماعي والاقتصادي، من الضروري حماية وتعزيز حرية التعبير في العراق.
من أجل حماية وتعزيز حرية التعبير في العراق، ينبغي النظر في عدة توصيات:
وبشكل عام، تعتبر حماية وتعزيز حرية التعبير في العراق أمرًا ضروريًا لتطوير مجتمع ديمقراطي ودعم التقدم الاجتماعي والاقتصادي. من خلال اتخاذ خطوات للتصدي للتحديات التي تواجه حرية التعبير، يمكن للعراق أن يدعم تطوير قطاع إعلامي حيوي ومتنوع، ويشجع مشاركة المواطنين في الخطاب العام، ويعزز المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.
حرية التعبير هو حق أساسي من حقوق الإنسان وأساس المجتمعات الديمقراطية. وبالتالي، فإن حماية وتعزيز حرية التعبير في العراق أمران أساسيان لتطوير مجتمع ديمقراطي ودفع عجلة النمو الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك، لا تزال القيود المفروضة على حرية التعبير في العراق قائمة ويتم تنفيذها من خلال التشريعات المقيدة والعنف والمضايقة والرقابة على الصحفيين والنشطاء من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية.
لمعالجة هذه القضايا، على العراق إلغاء أو تعديل القوانين المقيدة لحرية التعبير، وحماية الصحفيين والنشطاء من الترهيب والمضايقة، وتعزيز وسائل الإعلام المستقلة، ومكافحة الرقابة والعنف من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، وتعزيز حرية التعبير على الإنترنت.